
أريد أن أنبه إلى مجموعة من الحقائق التى تكشف أن موضوع الإنضباط الحاصل فوق بركة الفساد والذى يهتم به ويروج له البعض ماهو إلا إصرار على تزييف الحلول وإبقاء مشاكل التعليم فى وضع محللك سر الشهير . من هذه الحقائق مايلى
أولا:- الإنفصال شبه التام بين سياسات وبرامج كافة الهيئات المعنية بأمر التعليم بدءا من هيئة تطوير المناهج وانتهاءَ بهيئة الضمان والجودة وكمثال فإن الأعداد الهائلة من المعلمين المتدربين على برنامج
"intel"
"التعليم من أجل المستقبل"
لايجدون معايير مكتملة لمناهج الدراسة فى المواد المختلفة وحتى الآن ماتزال مطبوعات الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والإعتماد المنشورة على موقعها الخاص مرفقه بعلامة (مسودة )، فضلا عن عدم اكتمال بنية المدرسة الأساسية فى معظم المدارس هذه البنية الضرورية لتفعيل البرنامج واعتماد فكرة التعلم التفاعلى الخلاقة والتى لا علاقة لمعالى الوزير بها
فى هذه الظروف الإنتقالية المرتبكة وغير المكتملة يصر معالى الوزير على زياراته المفاجئة لمدارسه بطريقة عسكرية لا علاقة لها بما يحدث وعلى نمط المفتش فى زمن سيدنا (قلاويح) بل ويقدم عرضا سينمائيا للعمل التربوى يصور بأصالة دور الشيخ فى كتَابه ولا نجد سوى أن نهمس فى أذن معاليه لعله يسمع : لو أن متابعا متدربا ضبط معاليك تشرح فيثاغورث فى إحدى زياراتك لأوصى باستبعادك فورا و لقام بتحويلك لأعمال إداريه
ثانيا:- وهى حجر الأساس . يعلمنا التاريخ أن جيشا بدون عقيدة قتالية سيكون مصيره الهزيمه مهما زينته أحدث مبتكرات العصر العسكرية وسيبقى انضباطه شكلا فارغا من القيمة والمعنى وبديهيا ينسحب الأمر لحال الطالب والمعلم..فالطالب الذى يرى بأم عينيه جيوش الخريجين الجامعيين بل والحاصلين على شهادة الدكتوراه العاطلين عن العمل ..الطالب الذى تتضافر جهود جميع الجهات لقلب كل القيم العلمية والأدبية اللآئقة فى رأسه كترسيخ فكرة أن لاعب كرة قدم أهم من عالمين جليلين ك فاروق الباز وأحمد زويل .. الطالب الذى يتابع يوميا هذه التصريحات المتلاحقة عن فساد المناهج والوعود المتلاحقة باستبدالها كرامة لرؤية معالى وزير سيلحقه وزير يواصل مسيرة الإدانة والوعد ..الطالب الذى يصل طوله لما يقارب المترين وما زال مطالبا بكبس جسمه مع زملاءه الأربعة على (دكة) تتسع بالكاد لاثنين .. الطالب الذى يرى معلمه مكبوسا فى سيارة نصف نقل تحولت بسياسات حزب الدكتور على الدين إلى وسيلة لنقل حاملى شعلة التنوير ،الذين لا تزيد رواتبهم بالكادر على مايقضى حاجة أسرهم لأسبوع واحد .. بينما يتابع الأرقام الفلكية التى يتقاضاها موظفون مدللون فى أماكن أخرى تتجاوز الربع مليون جنيه وما يوازى كادر المعلم طوال سنه مكافئة شهرية ...الطالب الذى يتعامل مع الشبكة العنكبوتية ويقارن بين حياته وبين حياة الآخرين فى أماكن أخرى ..هل سينضبط حقا ؟ هل يمتلك دافعا واحدا لاحترام قيمة التعليم أبو شهادة المنتهى بحجز مكان على المقهى ؟ هل يمتلك دافعا واحدا لتقدير القائمين على التعليم أوالمكان الذى يًحشر فيه للتعلم ؟ هل لنا إجباره على إنضباط كرامة لمعالى المسئول المفاجئ ؟ وماذ يعنى انضباطه؟ هل سيختلف عن انضباط المساجين فى سجن؟ هل هذا ما يليق بأمر تعلم أبنائنا؟
ثالثا:- العشوائية فى اتخاذ القرارات المصيرية ومثالها غير الحصرى اتخاذ قرار بعقد امتحان تجريبى للثانوية العامة لتدريب الطلاب على شكل ومحتوى بديل للإمتحان التقليدى
لم يكن هذا القرار ناتج بحث واتفاق بين التعليمين الجامعى وما قبله وفق رؤية واضحة لإصلاح التعليم وفق الدراسات الموضوعية المتأنية للخبرات السابقة.. وفى النهاية أتى تقليديا بامتياز دون حتى أن ينجو من التسريب فلا درب ولا راعى الظروف التى فرضتها إجراءات وباء انفلوانزا الخنازير ولا أى شئ سوى العشوائية.
رابعا:- الملاحظ لاختيار موقع وزير التربية سيتأكد أن موضوع إصلاح مشكلاتها هو أبعد مايكون عن هذه الإختيارات وفقط نسأل هل تفتقد مصر خبراء أصيلون فى المجال التربوى لقيادته فى العبور من أزماته؟
لا يخفى على أحد بالتأكيد أن مصر مكتظة بالفعل بخبراء تربويون قادرون على تحمل هذه المسئولية. لكنها السياسة فى النهاية ، السياسة التى تحيل الضباط إلى أعمال رئاسة الأحياء والمحافظات والأبنية التعليمية، السياسة التى تضيق أو توسع فرص العمل ... السياسة التى توفر أمن العيش و السكن .. والنقل .. والثقافة ، ليس يخفى على أحد أن علاج أى أزمة فى مصر لن يتحقق مفردا دون علاجات المشكلات الأخرى ، وأن الحديث عن الإنضباط ببنية خربة بعقيدة خربة بثقافة خربة بخيار سياسى خرب سيكون استعراضا بهلوانيا بلا قيمة ولا جدوى
خامسا :- وهى الأخطر أن المسئولين عن التعليم وعن العمل العام يعرفون بجدارة ما هو أكثر مما حاولت طرحه هنا فهم أساتذتنا..لهذا يصبح الأمر محل ريبة يحق لها أن تتملكنا فهل وظيفة الأساتذة هى تدوير المشكلة وإلباسها ع الموضه لتستمر المأساة؟
إليهم نقول : نصر نحن المصريون ألا نشترى العتبة الخضراء،نصر على الإنضباط العام المبنى على أسس ومعايير وطنية عادلة تحترم الإنسان والعلم والعمل ، نصر على حب هذا الوطن وصالح مستقبله وقوته وتقدمه وأمنه وسلامه